مقالات

الابنة.. رواية الأمومة المؤرقة

فدوى درويش:

رواية عن الأمومة المؤرقة والمثقلة بالشعور بالذنب

 

آنا ماريا شوا كاتبة أرجنتينية كتبت أكثر من ثمانين كتابًا في العديد من الأنواع الأدبية بما في ذلك: الرواية والقصة القصيرة وقصص خيال الفيكشن، والشعر، والدراما، وأدب الأطفال، وكتب الفكاهة والفولكلور اليهودي، وسيناريوهات الأفلام، والمقالات الصحفية.  تُرجمت كتاباتها إلى العديد من اللغات، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والبرتغالية والهولندية والسويدية والكورية، واليابانية، والبلغارية، والصربية. تظهر قصصها في مختارات في جميع أنحاء العالم. وقد حصلت على العديد من الجوائز المحلية والدولية. إنها واحدة من الكتاب الأرجنتينيين الرواد الذين لا يزالون على قيد الحياة. وهي تُعرف، بشكل خاص، في العالم الناطق باللغة الاسبانية على جانبي المحيط الأطلسي، بلقب “ملكة الميكرو ستوري”.

   الأمومة، هل هي نعمة أم نقمة! هذه الغريزة غير المفهومة التي تربط الأم بأبنائها وتجرفها نحوهم في حب جامح غير قابل للمساومة أو النقاش مهما كان الأبناء سيئون.

“الابنة” هي رواية عن الأمومة، وعن مدى اصطدام الوالدين بفكرة أن أبناءهم ليسوا كما تخيلوهم، وإنهم أشخاص مستقلون، لديهم حيواتهم الخاصة.

تغوص الأرجنتينية آنا ماريا شوا في العوالم الداخلية للأم، ترصد أحلامها ومخاوفها شعورها الدائم بالذنب، وإحساسها بالمسؤولية عن كل ما يكون عليه أبنائها. تصور الكاتبة (وهي أم لثلاث بنات)، تلك العلاقة المعقدة لأم مع ابنتها، ابنة ليست كما تمنتها أو تخيلتها على الاطلاق. هي شخص آخر في عالم الآخرين. ليست هي الكيان الذي انشطر عنها وقاسمها الأنفاس.

   هل حقاً الأبناء هم نتاج تربية الآباء والأمهات بكل مساوئهم وحسناتهم؟ أم أنهم أبناء الحياة، أبناء الظروف والعوالم التي يختارونا كأشخاص مستقلين؟ حول هاتين الفكرتين تحاول الكاتبة الخوض في حكاية إزمي وابنتها ناتاليا من وجهة نظر إزمي وعلى لسانها. تبدأ الحكاية بفرار إزمي مع زوجها غيدو من مظالم الحكم الديكتاتوري في الارجنتين، ويلجآن إلى باريس قبلة الباحثين عن الحرية. ومع سقوط الحكم في بلدهم، بعد سنوات، يعودان ليعيشا في بوينس ايرس، كأي زوجين عاديين اختارا الاستقرار والانجاب. تتوسع شوا في وصف متاعب الأم ومعاناتها في الحمل والإنجاب، ومن ثم معاناة إزمي لشعورها الدائم بالخوف على طفلتها الصغيرة من كل ما يحيط بها، والشعور بالذنب لكل ما تتعرض له ناتاليا منذ مرحلة الروضة إلى أن تصبح “سيدة أعمال ناجحة” كما تصفها هي، مروراً بجميع المتاعب التي سببتها لوالديها نتيجة سلوكها السيء واللا أخلاقي – دون أن تكون متمردة على والديها، بل كانت لطيفة وودودة معهما- وحتى لحظة فقدانها أو ربما موتها. الشعور بالذنب كونها أمّ.

“بدأت إزمي تعاني من أسوأ أشكال الإحساس بالذنب، النوع الذي يتغذى على ذاته، الذنب الذي لا حدود له، ولا يمكن السيطرة عليه: الشعور العميق بالذنب، الذي يلازمها دائماً، لتجد نفسها في موقف من الضعف والهشاشة، مما يحوّلها إلى امرأةٍ يسهل التلاعب بها، وتصبح مثل دمية جاهزة للرقص على أنغام أي شخص قادر على التقاط شكوكها ومخاوفها، وشعورها الدائم بالذنب. الشعور بالذنب لكونها أمّ”

 إزمي هي أم متأرجحة بين الارتباك واليأس، ولا تفهم العالم من حولها، ولا تفهم ما يجري مع ابنتها. بشكل عام، هي لا تفهم. إنّها تحب ناتاليا بلا حدود، حبها طاغٍ وثابت لا نقاش فيه.

 “كيف من الممكن أن تثق تماماً أن ابنتها ستتابع التنفّس إن هي توقّفت عن النظر إليها”.

هل حب الوالدين لأبنائهم في شيء من الجنون؟ في نهاية القصة، والتي تركتها شوا مفتوحة، عندما يتم إخبار إزمي أن جثة ابنتها ربما ألقيت في البحر نتيجة مواجهة بين العصابات، يتسع حبها مع الألم والرعب، ليتحول إلى صرخة لتلك الابنة.

“ما تشعر به هو ارتياح، ارتياح كبير لعدم وجود ابنتها، وخوف رهيب ومريع من عودتها. الآن فقط، ملأ الحب، والألم، والرعب صدرها وصار بإمكان إزمي البكاء أخيراً”.

   تتخلل فصول الرواية يوميات للكاتبة حول كواليس كتابتها للرواية. مدونات يومية كُتبت –تقول شوا- بالتزامن مع كتابة كل فصل من فصول الرواية، يوميات تشبه الغرفة الخلفية للكاتبة حيث تكشف من خلالها الشكوك التي ساورتها أثناء تأليف العمل، وتوضح للقارئ المرجعيات التي استمدت منها الشخصيات وبعض المواقف في الرواية. وتستهل الكتاب بتوضيح للقارئ حول إمكانية تجاوز قراءة تلك اليوميات إن أرادوا ذلك.

رواية “الابنة” هي واحدة من أفضل الروايات لكاتبة من أفضل الكتاب الأرجنتيين المعاصرين.