ميرفت علي:
تنتمي رواية (دم الفجر) للكاتبة ( كلاوديا سالاثار خيمينيث)
إلى فئةِ الرواية السياسية، و تُبرز جانباً تأريخيَّاً توثيقياً للحرب الأهلية الشعواء التي دارت دائرتُها على شعب (البيرو) إبّان المدّ الماركسي، و تفشي العقائد الثورية، و منها الإيديولوجية الشيوعية في غيرِ بلدٍ من بلدان أمريكا اللاتينية، راصدةً ــ أي الكاتبة ــ بعنايةٍ و باقتدار فشل تلك التجربة، خلافاً لحظّ نظيراتها في المجتمع الأوروبي، الحاضن الأمثل للفكر الشيوعي العولمي آنذاك.
ما يَميزُ هذه الرواية إدانتُها السافرة للإرهاب المقنَّع: إرهابُ أزلام الفكر الثوري و مروِّجيه، و إرهابُ أزلام الأمن، و قوات حفظ النظام المناهضين لأولئكَ. و بينَ هؤلاء و أولئكَ ذهبتْ (الأمانة الوطنية) أدراجَ الرياح، و انفرطَ عقد النظام و الأمن، ليدفعَ شعبٌ معدمٌ ــــ لاحولَ له و لا طَول ــــ ضريبة الدمِ المهدور على تراب الوطن، و الذي غاصتْ فيه الأعناقُ لا الركبُ فحسب، ذلكَ الدمُ الذي أشارت إليه المؤلفة ساخرةً بــ (دم الفجر)، في إحالةٍ و ترميزٍ إلى فشلِ أنصار الشيوعية في ترسيخِ جذورهم الفكرية في بيئةٍ لم تكن مهيأة تاريخياً أو إثنياً ـــ على أقل تقدير ـــــ لتكونَ حاضنةً جيدة لها، إذ أُودعت البذرة الجنينية في رحمٍ غريب، لتكشفَ النقاب عن مولودٍ هجينٍ ممسوخ. كهذا (الفجر) الذي بشَّر به الثوريّون و قد تحوَّل إلى (نَحْر)، و مهرجانٍ للتقتيل و التنكيل و التمثيل بجثث أبناء الشعب العزّل، ممَّن لا تدبيرَ لهم فيما يدورُ خلفَ كواليس السياسة من طيشِ قادةٍ، و نزقِ جنرالات.
استمدَّت الرواية عاملَ الجذبِ و الإمتاع بمنحها المرأة دور الريادة و البطولة المطلقة، و تصدُّرها للمشهد الاجتماعي الذي سرعانَ ما خرجتْ من أعطافهِ و أكمامهِ كأمٍ و كزوجةٍ و كمدبّرة بيت، لتتسلق المشهد الحزبي كمناضلةٍ، و تروّج للفجر الجديد (الشيوعي) كمجندة و كخادمة أمينة، ثم لتكتشف بعد لأيٍ و جهد أنها إنّما كانت مجرد لعبة، و خيطاً واهياً يحركهُ الرجال (القادة الحقيقيون)، فيما يعود على أهدافهم الشخصية و الحزبية بالنفع.. فهاهنا نجدُ ملامح المرأة القائدة، المرأة المنقادة، المرأة الشريفة، المرأة المعتقلة، ثم المرأة الضحية..
خلطةٌ نسائية فضحتْ فداحةَ العنف الأهلي، و تقزُّم و انمساخ الطبقة الفاسدة و السياسية. و أبرزت معالم القبح و التشويه الجسدي في مقطَّعاتٍ سردية هذيانيَّة لشهودٍ عيان، قد تكونُ الكاتبة إحداهم.
فأيُّ فجرٍ هذا الذي يقودُ إلى هلاكٍ مجانيٍّ لشعبٍ بكامله، و لبلدٍ برمَّته؟
(دمُ الفجر)، رواية تمادتْ في توثيقيَّتها، و سخريتها، و أسلوبها القصِّي المعاصر إلى الحد الذي جعلها ــ بزعمي ــ من أجملِ الروايات المعاصرة و أميزها.
إنها بكلّ فخر: (وثيقةُ وطن)