مقالات

وليمة بابت

 

فيلم يرمز إلى الصراع الداخلي وسط العلاقة بين المعتقدات وملذات الحياة.

 

إسراء الردايدة :

 

يتناول الفيلم الروائي الدنماركي “وليمة بابيت” Babette’s Feast للمخرجة غابرييل آكسل، قصة شقيقتين تخلتا عن رغباتهما الحياتية والتمتع بمباهج الحياة، في سبيل خدمة مجتمعهما البروتستانتي الصغير.

وجاء عرض الفيلم أول من أمس ضمن مهرجان الأفلام الإسكندنافية الذي جاء في إطار احتفالات كل من النرويج والسويد والدنمارك بأعيادهم الوطنية، وتتواصل فعالياته حتى مساء غد في مقر الهيئة الملكية للأفلام.

الفيلم المأخوذ عن قصص “مجموعة نوادر القدر” للكاتبة الدنماركية كارين بليكسن، التي نشرت كتابا عن حياتها بعنوان “الخروج من إفريقيا”، وتحول لفيلم نال عدة جوائز منها الأوسكار العام 1987، تدور أحداثه وفق الرواية في النرويج ولكن المخرجة وكاتبة السيناريو حولتها لتدور مجرياتها في الدنمارك.

وتدور أحداث الفيلم عبر 102 دقيقة في القرن التاسع عشر، إذ تبدأ بمشهد للأختين فيليبا التي لعبت دورها الممثلةBodil Kjer ومارتينا التي لعبت دورها الممثلة Birgitte Federspiel، وهما طاعنتان في السن، وتروى قصتهما استذكارا للأحداث بعد مرور ما يقارب الأربعين عاما، حيث يقمن بالعناية بكبار السن في القرية وبأعمال الخير.

ويصور الفيلم نشأة الشقيقتين، فهما ابنتا رجل دين قسيس واعظ، رباهما على التزمت والتقاليد الاجتماعية التي تدحض الملذات وتتحاشى الشهوات وتدعو لحياة الزهد في بيت بسيط.

ويسلط الفيلم الضوء على جانب من حياة الشقيقتين اللتين تتمتعان بجمال أخاذ وبالروح والصوت الجميل، ووقوع كل منهما في الحب مع شخص مختلف، ولكنهما تهجرانهما نتيجة التربية الصارمة التي خضعتا لها.

مارتينا التي تملك عاطفة في قلبها للضابط السويدي لورينز والذي أدى دوره الممثل Jarl Kulle، بينما تقع فيليبا في حب نجم الأوبرا ذي الصوت الساحر آشيل بابين والذي أدى دوره الممثل Jean-Philippe Lafont وهو من باريس.

وكلا الرجلين يطلبان الزواج من الفتاتين ولكن إجابة الوالد الصارمة كانت مدمرة للجميع وهي “هل تريدان أن تحرما الرجل العجوز من الراحة في كبر سنه؟”.

وبينما يحاول المغني الفرنسي إقناع فيليبا بالبقاء معا وحدهما، لترفض الثروة والإغراء مقابل التربية التي زرعت فيها، وبالمقابل يغادر الضابط السويدي القرية، بعد رفض الأب طلبه للزواج من ابنته، ويمضي حياته بالجيش والمقامرة.

وبعد مرور أعوام، وفي ليلة ماطرة يطرق باب منزل هذه العائلة، وإذا بها امرأة فرنسية تدعى بابيت، أدت دورها الممثلة الفرنسية Stéphane Audran، تطلب الدخول وبيدها رسالة من المغني الفرنسي بابين يطلب فيها الاعتناء بصديقته وهي شيوعية هاربة من فرنسا، ولا تحمل معها سوى ورقة يانصيب تذكرها ببلدتها.

وتقبل العائلة بها مقابل أن تعمل لديها في الخدمة والطهي، ويمر 25 عاما، ويموت فيها الوالد، ويترك الفتاتين في المنزل وحدهما، وذات يوم تعلم بابيت بأنها ربحت الجائزة الكبرى بورقة اليانصيب التي تملكها.

ويتغير مجرى الأحداث في الفيلم بعد فوز بابيت بمبلغ قدره 100 ألف فرنك فرنسي ذهبي، ليصبح الصراع على أوجه بين الشخصيات وبين رغباتها وشهواتها.

وتقرر بابيت إقامة وليمة كبيرة ضخمة بمناسبة الذكرى المئوية لذكرى ميلاد القسيس والد الشقيقتين وسط تصورهما بأنها ستكون مقتصرة على الشاي والقهوة، غير أنهما تفاجآن بأنها تريد إعداد وليمة شهية كبيرة لجميع أهالي القرية.

الوليمة التي تحضرها بابيت محملة بكافة وأغلى أنواع الأطعمة التي يعدها أهل القرية اللوثريون المتزمتون من البدائع والمحرمات التي يجب تجاهلها، في حين أن بابيت وهي من البابست لا تؤمن بهذه المبادئ.

ويسيطر الغضب على الفتاتين اللتين تعتقدان أن بابيت ستغادرهما بعد الوليمة، ويبدآن بالاعتقاد بأنها ساحرة شريرة ستخرب أهل القرية وتدمر مبادئها.

 

وفي يوم الوليمة يفاجأ الجميع بحجمها الكبير وغنى محتوياتها، والبذخ الذي لم يعتد عليه أي من أهل القرية ويحضرها الضابط لورينز الذي أصبح جنرالا في بلاط الملكة، غير مدرك بأن من أعدّت الوليمة هي المرأة نفسها التي عملت في مطعم “كافيه انجليه”، الذي اشتهر قديما بأطباقه المميزة وذاع صيته.

 

وليمة بابيت احتوت على السلاحف المشوية والدجاج ولحم الخروف والجبن والنبيذ والفواكه والخبز وكافة أنواع الأطعمة التي لا يسمع عنها سوى بحفلات الأغنياء والملوك.

ووسط امتعاض أهل القرية وذهولهم، يعترض الضابط على تصرفاتهم وحرمان أنفسهم من الاستمتاع، مشيرا إلى أن التمتع بالحياة لا يعد ذنبا.

وبانتهاء الوليمة تنظر الفتاتان إلى خياراتهما السابقة، ويفكران بطبيعة حياتهما لو اختارتا القلب والتمتع بشبابهما بدلا من الالتزام والاعتكاف، الذي أوصلهما إلى الوحدة والعيش من دون ونيس.

وتعترف بابيت في نهاية الوليمة بأنها لن تغادر القرية، وأن ما دفعها لإقامة مثل هذا الحفل هو أنه “في العالم كله توجد صرخة صادرة عن قلب فنان تقول أعطني الفرصة، لكي أبذل ما لدي”.

الوليمة في الفيلم تطلبت 14 يوما في تحضيرها وتطلب إعدادها الاستعانة بخبير فرنسي، وهي ترمز إلى الصراع الداخلي وسط العلاقة بين المعتقدات والدنيا وتعارضهما مع بعضهما، وبين أثر الخيارات الفردية والقرارات وتأثيرها على الحياة ودور القدر في التدخل في القرارات المصيرية.

وفي الوقت نفسه يركز الفيلم على الحب الصامت الذي يصرخ بقوة للخروج وتضعف مقاومته عند إنكار المشاعر لتمضي الحياة ويذوب الشباب.

“وليمة بابيت” أول فيلم دنماركي يفوز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي غير ناطق باللغة الإنجليزية 1988، وشارك في مهرجان كان العام 1987، وبجائزة بافتا عن الفئة نفسها.