سامي خليفة – ايلاف
كان نحّالًا في حلب، لكن الحرب السورية دفعته مع عفراء زوجته التي فقدت بصرها إلى ترك سوريا إلى بريطانيا. إنها تغريبة النزوح السوري بآلامها المبرحة ومآسيها الإنسانية.
إيلاف: حازت قصص السوريين الفارّين من الحرب الدائرة في بلادهم إلى أوروبا على الكثيرٍ من الاهتمام الإعلامي، إلا أن الرواية الجديدة للكاتبة البريطانية كريستي ليفتيري، بعنوان “نحّال حلب” The Beekeeper of Aleppo (المؤلفة من 336 صفحة، منشورات بالانتاين، 21.60 دولارًا) من أروع القصص التي تجسّد عذاب النزوح السوري.
في صيف 2016، سافرت ليفتيري إلى أثينا، وعملت هناك شهرين متطوعة في مركز للنساء والأطفال النازحين بسبب الحرب. وعند استكشافها شوارع أثينا، قابلت رجالًا ونساءً وأطفالًا وصلوا إلى أوروبا بحثًا عن الأمان.
عند عودتها إلى منزلها في لندن، بدأت ليفتيري ترسم قصة زوجين سوريين محاصرين في صراع الأمة. كانت تتعلم العربية استعدادًا لرحلة العودة إلى أثينا في صيف 2017، وكان مدرسها، وهو لاجئ سوري يُدعى إبراهيم، يصف لها بالتفصيل مسقط رأسه في حلب.
رحلة محفوفة بالمخاطر
تدور أحداث الرواية الخيالية في حلب، والشخصيتان الرئيستان المحوريتان اللتان تدور حولهما الرواية هما نوري مربي النحل، وزوجته عفرة التي كانت ترسم اللوحات الفنية.
تصور الرواية كيف كان الزوجان يحظيان بحياة بسيطة، غنية بالعائلة والأصدقاء، في تلال حلب الجميلة، حتى حدث ما لا يمكن تصوره. دمّرت الحرب كل ما يحبّانه، ولم تترك لهما إلا خيار مغادرة الوطن.
لكن الهروب من سوريا لن يكون سهلًا: فقدت عفراء بصرها تاركةً نوري مثقلًا بالهموم، وسط رحلة محفوفة بالمخاطر عبر تركيا واليونان نحو مستقبل مجهول في بريطانيا.
لم يرغب المهاجرون عمومًا في البقاء في تركيا أو اليونان. اتجهوا شمالًا، حيث كانت فرص العمل والأجور والخدمات الاجتماعية أفضل. وكانت بريطانيا تعتبر الأرض الموعودة نظرًا إلى وجود قدر أقل من البيروقراطية والإزعاج عندما يتعلق الأمر بمدفوعات الرعاية الاجتماعية أو الحصول على وظيفة.
أراد نوري، كغيره من المهاجرين، الوصول إلى بريطانيا. وعندما قرر مغادرة سوريا، حمل معه ملكة النحل في صندوق حتى يتمكن في نهاية الرحلة من بدء عمل تجاري جديد. واستفاد من أوضاعه المادية الجيدة للدخول إلى لندن بطريقة سهلة.
رحلة عبر عالم محطم
تسجل الرواية تفاصيل حياة نوري وعفرة اليومية، وتصور رحلتهما عبر عالم محطم، بمواجهة آلام الخسارة التي لا توصف، والمخاطر الداهمة. كما ترسم ليفتيري، وهي طبيبة نفسية، بحساسية ما تبدو عليه الحال عندما تعود الحرب إلى الوطن، متنبهًة إلى الآثار الدقيقة للصدمة والحزن.
نميل إلى سماع قصص ملايين الأشخاص الذين يفرّون من الحرب والفقر والاضطهاد، وهي كلمات لا تحمل أي تفاصيل. في هذا الكتاب، تعطينا ليفتيري نظرة مدروسة بعمق عن حياة زوجين في خطين زمنيين: أحدهما يبدأ في حلب في عام 2015، حيث يقرر الزوجان مغادرة سوريا، والقيام برحلة خطرة عبر تركيا واليونان، والآخر من بلدة ساحلية في إنكلترا في العام التالي، حيث يتقدمان بطلب للجوء.
تذكرنا هذه الرواية بأن حياتنا السلمية والعادية يمكن أن تنقلب رأسًا على عقب بطرائق لا يمكن تصورها، وتأخذنا في رحلة عبر الأراضي البعيدة من وطننا، كي نشعر بأهمية السلام، وبآلام الهجرة والنزوح.